الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد :
كثر اللغط والغلط والتعدي في مسائل الدعاء ، وانتشرت فيه الاختراعات ، وابتعد الناس كثيرًا عن السنة في ذلك
ولو التزموا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، لكفاهم الله هم الدنيا والآخرة ببركة سنة النبي صلى الله عليه وسلم
وإليكم أفضل الأدعية والتي صحت عن نبينا صلى الله عليه وسلم
فهي أفضل الدعاء ، وأجمعه ، وأنفعه ، وأكثره خيرًا وبركة ، وكما سترى ، فإنها تجمع خيري الدنيا والآخرة ، وتنفي شر الدنيا والآخرة ، فلا تفوت على نفسك الفرصة
أفـضـل الدعـاء
الحمد لله :
عن جَابِر بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( أَفْضَلُ الذِّكْرِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ))[1]
( أَفْضَلُ الذِّكْرِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) لأَنَّهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ، وَالتَّوْحِيدُ لا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ وَهِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ ، وَلأَنَّهَا أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ مَعَ اللَّهِ وَأَنْفَى لِلْغَيْرِ وَأَشَدُّ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَتَصْفِيَةً لِلْبَاطِنِ وَتَنْقِيَةً لِلْخَاطِرِ مِنْ خُبْثِ النَّفْسِ وَأَطْرَدُ لِلشَّيْطَانِ " .
وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) : الدُّعَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَأَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ الْحَاجَةَ وَالْحَمْدُ يَشْمَلُهُمَا , فَإِنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ يَحْمَدُهُ عَلَى نِعْمَتِهِ وَالْحَمْدُ عَلَى النِّعْمَةِ طَلَبُ الْمَزِيدِ وَهُوَ رَأْسُ الشُّكْرِ , قَالَ تَعَالَى : { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } .
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ بَابِ التَّلْمِيحِ وَالإِشَارَةِ إِلَى قَوْلِهِ تعالى(( اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )) وَأَيُّ دُعَاءٍ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ وَأَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ .[2]
لا إله إلا الله وحده لا شريك له :
عن عبدالله بن عمرو : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))[3]
(خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْم عَرَفَةَ) لأَنَّهُ أَجْزَلُ إِثَابَةً وَأَعْجَلُ إِجَابَةً .
قَالَ الطِّيبِيُّ : الإِضَافَة فِيهِ إِمَّا بِمَعْنَى اللام أَيْ دُعَاء يَخْتَصّ بِهِ وَيَكُون قَوْله : " وَخَيْر مَا قُلْت وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لا إِلَه إِلا اللَّه " بَيَانًا لِذَلِكَ الدُّعَاء فَإِنْ قُلْت هُوَ ثَنَاء قُلْت فِي الثَّنَاء تَعْرِيض بِالطَّلَبِ . وَالدُّعَاء هُوَ لا إِلَه إِلا اللَّه وَحْدَهُ إِلَخْ , وَتَسْمِيَتُهُ دُعَاءً إِمَّا لأَنَّ الثَّنَاء عَلَى الْكَرِيم تَعْرِيض بِالدُّعَاءِ وَالسُّؤَال .
وقول الطِّيبِيُّ يُؤَيِّدهُ رِوَايَةُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِوَايَة أَحْمَد ، قَالَ الْقَارِي : وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ : " أَفْضَلُ مَا قُلْت وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لا إِلَه إِلا اللَّه " إِلَخْ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ جَيِّدٌ كَمَا قَالَهُ الأَذْرَعِيّ اِنْتَهَى , وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَد بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ بِلَفْظِ : (( كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ " لا إِلَه إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ " إِلَخْ .[4]
الدعاء بأسماء الله الحسنى :
(( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ))[5]
(( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ))[6]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ))[7]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، "أَحْصَيْنَاهُ" حَفِظْنَاهُ ))[8]
قَالَ الأَصِيلِيّ : الإِحْصَاء لِلْأَسْمَاءِ الْعَمَل بِهَا لا عَدّهَا وَحِفْظهَا ، لأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَقَع لِلْكَافِرِ الْمُنَافِق كَمَا فِي حَدِيث الْخَوَارِج يَقْرَءُونَ الْقُرْآن لا يُجَاوِز حَنَاجِرهمْ
وَقَالَ اِبْن بَطَّال : الإِحْصَاء يَقَع بِالْقَوْلِ وَيَقَع بِالْعَمَلِ فَاَلَّذِي بِالْعَمَلِ أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاء يَخْتَصّ بِهَا كَالأَحَدِ وَالْمُتَعَال وَالْقَدِير وَنَحْوهَا , فَيَجِب الْإِقْرَار بِهَا وَالْخُضُوع عِنْدهَا , وَلَهُ أَسْمَاء يُسْتَحَبّ الاقْتِدَاء بِهَا فِي مَعَانِيهَا : كَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيم وَالْعَفُوّ وَنَحْوهَا , فَيُسْتَحَبّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَحَلَّى بِمَعَانِيهَا لِيُؤَدِّيَ حَقّ الْعَمَل بِهَا فَبِهَذَا يَحْصُل الإِحْصَاء الْعَمَلِيّ , وَأَمَّا الإِحْصَاء الْقَوْلِيّ فَيَحْصُل بِجَمْعِهَا وَحِفْظهَا وَالسُّؤَال بِهَا وَلَوْ شَارَكَ الْمُؤْمِن غَيْره فِي الْعَدّ وَالْحِفْظ , فَإِنَّ الْمُؤْمِن يَمْتَاز عَنْهُ بِالإِيمَانِ وَالْعَمَل بِهَا .[9]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ))[10]
وعنه : (( لِلَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا ، مِائَةٌ إِلا وَاحِدًا ، لا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ ، إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَهُوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ ))[11]
عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ))[12]
(أَلِظُّوا بِيَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) أَيْ أَلْزَمُوهُ وَاثْبُتُوا عَلَيْهِ وَأَكْثَرُوا مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّلَفُّظِ بِهِ فِي دُعَائِكُمْ , يُقَالُ أَلَظَّ بِالشَّيْءِ يُلِظُّ إِلْظَاظًا إِذَا لَزِمَهُ وَثَابَرَ عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ .[13]
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ ، اذْكُرُوا اللَّهَ ، جَاءتْ الرَّاجِفَةُ ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ، قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي ؟ فَقَالَ : مَا شِئْتَ ، قُلْتُ : الرُّبُعَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ : النِّصْفَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ : فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ ، قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ))[14]
قَوْلُهُ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) أَرَادَ بِهِ النَّائِمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْغَافِلِينَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ يُنَبِّهُهُمْ عَنْ النَّوْمِ لِيَشْتَغِلُوا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّهَجُّدِ
( جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ : الرَّاجِفَةُ النَّفْخَةُ الأُولَى الَّتِي يَمُوتُ لَهَا الْخَلائِقُ وَالرَّادِفَةُ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي يَحْيَوْنَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَصْلُ الرَّجْفِ الْحَرَكَةُ وَالاضْطِرَابُ اِنْتَهَى .
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ } وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهَا فَكَأَنَّهَا جَاءَتْ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَارَبَ وُقُوعُهَا فَاسْتَعِدُّوا لِتَهْوِيلِ أَمْرِهَا
( جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ) أَيْ مَا فِيهِ مِنْ الشَّدَائِدِ الْكَائِنَةِ فِي حَالَةِ النَّزْعِ وَالْقَبْرِ وَمَا بَعْدَهُ
( فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلاتِي ) أَيْ بَدَلَ دُعَائِي الَّذِي أَدْعُو بِهِ لِنَفْسِي قَالَهُ الْقَارِي . وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ : مَعْنَاهُ أُكْثِرُ الدُّعَاءَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلاةً عَلَيْك .
( قُلْتُ الرُّبُعَ ) أَيْ أَجْعَلُ رُبُعَ أَوْقَاتِ دُعَائِي لِنَفْسِي مَصْرُوفًا لِلصَّلاةِ عَلَيْك
( قُلْتُ أَجْعَلُ لَك صَلاتِي كُلَّهَا ) أَيْ أَصْرِفُ بِصَلاتِي عَلَيْك جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْت أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي .
( قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّك ) وَالْهَمُّ مَا يَقْصِدُهُ الإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , يَعْنِي إِذَا صَرَفْت جَمِيعَ أَزْمَانِ دُعَائِك فِي الصَّلاةِ عَلَيَّ أُعْطِيت مَرَامَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [i]